فصل: مسير صاحب البصرة إلى واسط.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.انتقاض الصلح والمصاف الرابع بين السلطانين وحصار محمد باصبهان.

لما انصرف السلطان محمد إلى استراباذ وكان اتهم الأمراء الذين سعوا في الصلح بالخديعة فسار إلى قزوين ودس إلى رئيسها لان يصنع صنيعا ويدعوه إليه مع الأمراء ففعل وجاء السلطان إلى الدعوة وقد تقدم إلى أصحابه بحمل السلاح ومعه يشمك وافتكين من أمرائه فقبض عليهما وقتل يشمك افتكين وورد عليه الأمير نيال بن أبي شكين الحسامي نازعا عن أخيه بركيارق.
ولما التقى الفريقان حمل سرخاب بن كشمر الديلي صاحب ساوة على نيال الحسامي فهزمه واتبعه عامة العسكر واستولت الهزيمة على عسكر محمد ومضى بعضهم إلى طبرستان وبعضهم إلى قزوين وذلك في جمادي من سنة خمس وتسعين لأربعة أشهر من المصاف قبله ولحق محمد في الفل باصبهان ومعه نيال الحسامي واصبهان في حكمه فحصنها وسد ما ثلم من سورها وأعمق الخندق وفرق الأمراء في الاسوار وعلى الابواب ونصب المجانيق وجاء بركيارق في خمسة عشر ألف مقاتل فأقام محاصرا للبلد حتى اشتد الحصار وعدمت الاقوات واستقرض محمد المال للجند من أعيان البلد مرة بعد أخرى فلما جهده الحصار خرج من البلد ومعه الامير نيال وترك باقي الامراء وبعث بركيارق الأمير أياز في عسكر لطلبه فلم يدركه وقيل بل أدركه وذكره العهد فرجع عنه بعد أن أخذ رايته وجشره وثلاثة أحمال من المال ولما خرج محمد عن أصبهان طمع المفسدون والسودية في نهبها فأجتمع منهم ما يزيد على مائة ألف وزحفوا بالسلالم والذبابات وطموا الخندق وصعدوا في السلالم باشارة أهل البلد وجدوا في دفاعهم وعادوا خائبين ورحل بركيارق آخر ذي القعدة من سنة خمس وتسعين واستخلف على البلاد القديم الذي يقال له شهر ستان مرشد الهراس في ألف فارس مع ابنه ملك شاه وسار إلى همدان وفي الحصار قتل وزير بركيارق الاغر أبو المحاسن عبد الجليل الدهستاني عرض له يوما بعض الباطنية عندما ركب من خيمته لباب السلطان طعنه طعنات وتركه بآخر رمق وقتل غلام من غلمان بعض المكوس للوزير ثار فيه بمولاه وكان كريما واسع الصدر وولى الوزارة على حين فساد القوانين وقلة الجباية فكان يضطر لأخذ أموال الناس بالاضافة فنفرت الصفوة منه ولما مات استوزر بركيارق بعده الخطير أبا منصور الميبذي كان وزيرا لمحمد وقد وكله في الحصار ببعض الأبواب فبعث إليه محمد نيال بن أبي شكين يطالبه بالاموال لاقامة العسكر فخرج من الباب ليلا ولحق ببلده وامتنع بقلعتها فأرسل السلطان بركيارق إليها عساكر وحاصروها حتى استأمن وجاء عند قتل وزيره الأغر فاستوزره بركيارق مكانه والله تعالى أعلم بغيبه.

.مسير صاحب البصرة إلى واسط.

كان صاحب البصرة لهذا العهد إسماعيل بن ارسلان حين كان السلطان ملك شاه شحنة بالري وولاه عليها عندما اضطر أهلها وعجز الولاة عنهم فحسنت كفايته وأثخن فيهم وأصلح أمورها ثم عزل عنها وأقطع السلطان بركيارق البصرة للأمير قماج وكان ممن لا يفارقه فاختار إسماعيل لولاية البصرة ثم نزع قماج عن بركيارق وانتقل إلى خراسان فحدثت إسماعيل نفسه بالاستبداد بالبصرة وانتقض وزحف إليه مهذب الدولة بن أبي الخير من البطيحة ومعقل بن صدقة بن منصور بن الحسين الأسدي من الجزيزة في العساكر والسفن فقاتلوه في مطاري وقتل معقل بسهم أصابه فعاد ابن أبي الخير إلى البطيحة فأخذ إسماعيل السفن وذلك سنة احدى وتسعين وأسرهما واستفحل أمره بالبصرة وبنى قلعة بالايلة وقلعة بالشاطىء قبالة مطاري وأسقط كثيرا من المكوس واتسعت امارته لشغل السلاطين بالفتنة وملك المسبار وأضافها إلى ما بيده ولما كان سنة خمس وتسعين طمع في واسط وداخل بعض أهلها وركب إليها السفن إلى نعماجار وخيم عليها بالجانب الشرقي أياما ودافعوه فارتحل راجعا حتى ظن خلاء البلد من الحامية فدس إليها من يضرم النار بها ليرجعوا عنهم فلما دخل أصحابه البلد فتك أهل البلد فيهم وعاد إلى البصرة منهزما فوجد الأمير أبا سعيد محمد بن نصر بن محمود صاحب الأعمال لعمان وجنايا وشيراز وجزيرة بني نفيس محاصرا للبصرة وكان أبو سعيد قد استبد بهذه الأعمال منذ سنين وطمع إسماعيل في الاستيلاء على أعماله وبعث إليها السفن في البحر فرجعوا خائبين فبعث أبو سعيد خمسين من سفنه في البحر فظفروا بأصحاب إسماعيل معهم إلى الصلح ولم يقع منه وفاء به فسار أبو سعيد بنفسه في مائة سفينة وأرس بفوهة نهر الابلة ووافق دخول إسماعيل من واسط فتزاحفوا برا وبحرا فلما رأى إسماعيل عجزه عن المقاومة كتب إلى ديوان الخليفة بضمان البلد ثم تصالحا ووقعت بينهما المهاداة وأقام إسماعيل مستبدا بالبصرة إلى أن ملكها من يده صدقة بن مزيد في المائة الخامسة كما مر في اخباره وهلك برامهرمز.